كوريا والجاليات المسلمة: الروابط التاريخية والتبادل الثقافي والهوية الإسلامية

  • 2020-Mar-17

على عكس الاعتقاد السائد بأن الإسلام قد دخل إلى شبه الجزيرة الكورية في أثناء الحرب الكورية (1950 – 1953)، يعود التاريخ الإسلامي في كوريا وكذا العلاقات الكورية الإسلامية إلى ما قبل خمسينيات القرن الماضي بأكثر من ألف سنة. فعلى الرغم من قلة المراجع وتباعدها، توجد وثائق كافية تثبت وجود علاقات تجارية كبيرة بينهما، ويتجلى ذلك في الأعمال الفنية الرائعة التي تعود إلى القرنين الرابع والخامس والتي تشير إلى وجود تاريخ قديم من الروابط التجارية والسياسية بين كوريا وشعوب الشرق الأوسط، واستمرار هذه الروابط إلى ما بعد ظهور الإسلام. على الرغم من عدم تحديد التاريخ الفعلي لوصول أول جالية مسلمة إلى كوريا، إلا أنه يمكن تتبع الروابط بين كوريا والعالم الإسلامي حتى منتصف القرن التاسع، إذ تم وصف العلاقات الإسلامية الكورية في شبه الجزيرة الكورية في 23 مصدراً إسلاميّاً يعود تاريخها إلى ما بين القرنين التاسع والسادس عشر، وتتألف هذه الوثائق من كتابات لعلماء مسلمين من القرن الثامن عشر مثل ابن خرداذبة وسليمان التاجر ومسعودي وغيرهم.


وقد استمر تتبع الاتصالات الثقافية والتجارية بين المسلمين وشبه الجزيرة الكورية بطول طريق الحرير المنتعش تجاريّاً حتى بداية القرن الخامس عشر عندما قدمت الحضارة الإسلامية بمجالاتها المختلفة مثل الفضاء والطب والعلوم التقويمية والعمارة والأسلحة إسهامات كبيرة للمجتمع الكوري، كما أن الجاليات الإسلامية قد تشكلت واستقر المسلمون بشكل دائم هناك في العصور الوسطى حيث تمكنوا من إرساء تقاليدهم وأعرافهم وطقوسهم الدينية، إلا أنه بعد عام 1427، بدء المسلمون المستوطنون في التخلي تدريجيّاً عن الملابس والعادات والطقوس التي شكلت هويتهم على مدار 150 عاماً وذلك بعد صدور مرسوماً ملكيّاً يحظر أداء الشعائر الإسلامية وارتداء الزي الإسلامي في عهد أسرة جوسون (1392 ~ 1910).



تأسست الجالية المسلمة المعاصرة في كوريا في خمسينيات القرن الماضي على يد الجنود المسلمين الأتراك الذين شاركوا في الحرب الكورية. عمل هؤلاء الجنود على نشر دينهم بجانب أداء مهامهم العسكرية فقاموا ببدء حقبة إسلامية جديدة في كوريا أدت إلى نشر الإسلام تدريجيّاً بها. شهد الإسلام تطوراً سريعاً في منتصف السبعينيات عندما قدمت عدد من الدول الغنية بالنفط مساعدات سخية للمسلمين الكوريين وأصبح مسجد سيول المركزي والمركز الإسلامي الذي شيّد في 1976 رمزاً للتعاون الكوري الإسلامي والجالية الإسلامية في كوريا. يوجد حالياً أكثر من 20 مسجدا في كوريا يتردد عليهم ما يقرب من 40000 مسلم محلي و150000 مسلم أجنبي.



شهدت كوريا مؤخراً انتشاراً للآراء السلبية عن المسلمين والتعصب ضد الإسلام بسبب الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام الشعبية عن الإرهاب، فضلاً عما يساهم به نظام التعليم العام في كوريا في تقديم صور سلبية عن الإسلام في الكتب المدرسية الذي يقدمها عالميّاً. وللأسف عملت بعض المجموعات المتطرفة المخالفة على المجتمع الكوري، ولا سيما السياسة الكورية، على تزايد نزعة رهاب الإسلام ونشرها منهجيّاً في كوريا، فهم مصرون على شيطنة الإسلام ومحاولة تهميش المسلمين في المجتمع باعتبارهم "مختلفين" ثقافيّاً ودينيّاً بما يشكل تهديدا محتملا لقبول المسلمين واندماجهم في المجتمع الكوري.



حتى في ظل هذه الظروف السلبية، لم تفتأ الجالية الإسلامية تتبنى العديد من المواقف الاستراتيجية الهامة. قبل ذي بدء، حافظت الجالية المسلمة الكورية دائماً على إقامة علاقات ودية مع الحكومة الكورية من خلال مساندة الأمة والتعاون معها في إدارة الأزمات. خلال أزمتي النفط في عامي 1973 و1979، تولى الاتحاد الإسلامي الكوري زمام التغلب على الأزمة المحلية من خلال إقناع الأخوة العربي بمساعدة الحكومة الكورية، وعمل الاتحاد أيضاً كوسيط وجسر لتقديم الحكومة الكورية إلى الشرق الأوسط. ثانياً، يساعد الاتحاد الإسلامي الكوري 150000 مسلم أجنبي في كوريا على التكيف والاستقرار بها من خلال تقديم العون لهم والتضامن معهم. ثالثاً، يمر المجتمع الكوري مؤخراً بتحول سريع ليصبح مجتمع متعدد الثقافات بأقل معدل مواليد في العالم. على هذه الخلفية، تبنت الجالية المسلمة الكورية استراتيجية المحور الإيجابي في المجتمع متعدد الثقافات من خلال إقامة الحوار والتبادلات المستمرة مع الأديان الأخرى، وأخيراً تؤكد الجالية المسلمة الكورية أن الإسلام ليس دين إرهاب وأن علاقة كوريا بالعالم الإسلامي لم تبدأ في سبعينيات القرن الماضي، في أسواق البناء أو أزمات النفط وحسب، بل كانوا أصدقاء ودول صديقة أسست علاقات مع الكوريين قبل أي دولة غربية وأقاموا تبادلات تاريخية استمرت طويلاً لأكثر من 1200 عام.



قد يعمل نشر هذه الروابط التاريخية على زيادة فهم الكوريين لمكانة الإسلام في المجتمع الكوري وشؤون العالم الإسلامي عالميّاً. في ضوء العلاقات الاقتصادية الكبيرة التي تربط العالم الإسلامي وكوريا اليوم، يحتاج الكوريون بشدة إلى معرفة هذه الأنماط التاريخية والثقافية بما في ذلك العقائد الإسلامية، وأصبحت الجالية المسلمة الكورية الآن في مرحلة أكثر أهمية من أي وقت مضى للحصول على مكانة أقوى في المجتمع الكوري والحفاظ على الهوية الإسلامية بداخله.



دكتور/ هي سو لي

أستاذ بقسم الأنثروبولوجيا الثقافية

جامعة هانيانغ، كوريا الجنوبية

اشترك

اشترك في القائمة البريدية لتبقى علي تواصل دائم معنا